يهتم البحث الدلالي القرآني بإبراز الآليات التي اعتمدها السيد الخوئي(قدس سرّه) للوصول إلى دلالات النص المقدّس، ومنها دلالات وحداته الأصغر وهي المفردات مع ملاحظة تفصيلات تلك الآليات، وكان السيّد الخوئي قد خطّ منهجه فجعله مدخلا لتفسيره. ما يعني أننا بصدد تناول الأسس المعرفية التي يقوم عليها تفسير القران الكريم كما يراها السيد الخوئي. وقد لحظنا في هذا الجانب أنّ يقوم البحث برصد جوانب النظر التي اعتمدها السيد الخوئي سواء عند تفسيره سورة الحمد ، أم في ما ذكره من مقدمات تفسيره من مثل :إعجاز القران والقول بالقراءات ونزول القرآن على سبعة أوجه وحجية ظاهر القران والنسخ وأصول التفسير ، وما تشتمل عليه من تفصيلات تدخل في صميم منهج المفسر لفهم القرآن الكريم .
استندت محاور البحث إلى متابعة تلك الآليات في إطار عنوانات قمنا بوضعها منها ما توجه نحو المبني وأثره في بيان مدلوله ومنها ما توجه نحو البيئة اللفظية (السياق اللغوي) الذيّ استعملت فيها تلك اللفظة، كما تمّ رصد طائفة من وسائل الدلالة التي اعتمدها السيد الخوئي للفظة الواحدة لاسيما لفظ الجلالة (الله).
إن الحضور الكبير الذي امتلكه السيّد الخوئي في الساحة الفقهية ومازال يمتلكه هو الذي حدا بنا إلى التوجه نحو دراسة بعض جهده؛ وذلك فيما يرتبط بالجهد اللغوي، لاسيما فهمه القرآن الكريم ودلالات وحداته المتوزعة على محاور تشكله في الإفراد والتركيب. إنّ الكتاب بوصفه مدخلا إلى التفسير يمثل خلاصة علمية ضمت مرتكزات صاحبه لفهم القرآن، فهذا المدخل ضمّ الأسس والمنطلقات في فهم القرآن. فالقليل الذي ورد فيه يغني عن كثير من التطبيقات فهو خلاصة فكرية ومنهجية منضبطة.
توطئة:
يهتم البحث الدلالي القرآني بإبراز الآليات التي يعتمدها المفسّر للوصول إلى دلالات النص المقدّس، ومنها دلالات وحداته الأصغر ابتداء بالمفردات مع ملاحظة تفاصيل تلك الآليات ، لاسيما أن السيّد الخوئي كان قد خطّ منهجه في كتابه موضع البحث، إذ جعله مدخلا لتفسيره؛ ما يعني أنّه بصدد تناول الأسس المعرفية التي يقوم عليها تفسير القرآن الكريم كما يراها. وقد لحظنا في هذا الجانب أنّ يقوم البحث برصد جوانب النظر المتعلق بالبحث الدلاليّ التي اعتمدها السيد الخوئي سواء في تفسيره سورة الحمد، أم فيما ذكره من مقدمات تفسيره من مثل: إعجاز القرآن، والقول بالقراءات، ونزول القرآن على سبعة أحرف، وحجية ظاهر القرآن والنسخ، وأصول التفسير، وما تشتمل عليه من تفصيلات تدخل في صميم منهج المفسر لفهم كلام الله تعالى في القرآن الكريم. وإننا لنأمل أن يكون البحث في تفسير البيان للسيد الخوئي مثمرا وذا فوائد متعددة لأمور نجملها بما يأتي :
يعدّ أبو القاسم الخوئي الفقيه الأصولي المبرَّز في القرن المنصرم، وقد امتلك ناصية المرجعية الفقهية للشيعة الإمامية ما يقرب من عشرين سنة، وتخرّج على يديه كثير من طلاب العلوم الشرعية.
يعد كتابه البيان في تفسير القرآن( وهو في حقيقة الأمر مدخل إلى التفسير) خلاصة علمية تضم منهجيته التي يعتمدها في تفسير القرآن الكريم، ومرتكزاته في هذا التفسير، فهذا المدخل ضمّ الأسس والمنطلقات في فهم القرآن. وعلى هذا فالقليل الذي ورد في هذا المدخل وخاصة في تفسيره فاتحة الكتاب يغني عن كثير من التطبيقات لأنه كان خلاصة فكرية ومنهجية لمؤلفه.
الدلالةالقرآنيةومنهجيةالتفسير:
إنّ أبسط تعريف للدلالة القرآنية قد يكون كافيا في فهم المراد منها، فالدلالة القرآنية: هي تلك الدلالة التي استعملت بها الألفاظ أو التراكيب في القرآن الكريم.
ولاغرو في القول بأنّ التفسير في حقيقة أمره هو بحث في الدلالة سواء أكانت مفردة أم مركبة بل يعدّ منبعا ثرّا لطرح نظريات معرفة المعنى فالدَلالة هي عمدة التفسير. وقد تمّ للمفسرين توظيف كافة المستويات البيانية لفهم القرآن بل تعد مؤلفاتهم خير مثال لتطبيق تلك المستويات وهم يتناولون الظاهرة اللغوية التي تَمثَّلَها القرآن الكريم. ورغم الثراء المعرفي الذي يمثله دراسة النص الإلهيّ، إلاّ أنّ من التفسير ما ابتعد فيه صاحبه عن أن يكون القرآن هو رائده في الفهم، على نحو تمّ حمل ما خالف القواعد على أوجه من التأويل والتقدير، ونحو ذلك من التعسف. وكان الأولى أن تعطى الريادة في ذلك للاستعمال القرآني لذا فان الأمر المهم الذي يجب أن يكون في إطاره فهم الدلالة القرآنية أن يكون النص القرآني نفسه هو المعيار لنفسه وان يمتلك استقلالا منهجيا واضحا لبيان دلالاته؛ على ما يتصور من المنحى التفسيري:(تفسير القرآن بالقرآن) فالقرآن نصَّ مدوّن لا يشبهه نصّ آخر فهو إبداع إلهي ومن لوازم هذا الإبداع أن يكون مستقلا عن غيره مستغنيا بنفسه لبيان مراده، وهو ما تكشف عنه آياته من نحو :
وكان السيد أبو القاسم الخوئي قد أثبت علاقته بتفسير القرآن بالقرآن منهجا يسير عليه في تفسيره بقوله في مقدمة كتابه:(( وسيجدالقارئأيضاأنّيكثيراماأستعينبالآيةعلىفهمأختها،واسترشدالقرآنإلىإدراكمعانيالقرآن،ثمأجعلالأثرالمرويمرشداإلىهذهالاستفادة))().
ومن الواضح أن هذا الأساس هو الذي يجب أن يؤسس عليه تفسير القرآن بالقرآن، لكن وقوع هذا المنحى من التفسير تحت طائلة المسبقات المنهجية أو العقائدية واللغوية أبعده كثيرا عن غرضه، ولم يَعْدُ أن يكون منحى للفهم ليس إلا؛ ولم يتم الارتقاء به ليكون منهجا متكاملا لفهم القرآن. لكنّ الملاحظ أنّ السيد الخوئي لم يبين تفاصيل طريقته في هذا الاسترشاد، وهل بإمكانه أن يأتي على سائر الآيات بهذا المنحى، ثمّ إذا ظهر المعنى من ذلك فما هي جدوى الإفادة من الأثر المروي في تفسير تلك الآيات فهل عنى بوصفه الأثر(مرشدا) إلى المعنى أم معززا لفهمه الأول أم أراد أن يكون مرشده لطريقة تطبيق هذا التفسير على نحو يمكن أن يمدّنا الأثر بطريقة تفسير القرآن بالقرآن، وأن نقيم من الآثار المروية منهجا لفهم القرآن بالقرآن. وهو أمر كان السيّد الطباطبائي قد أبان عنه بقوله: (( وقدتبيّنأنالمتعيّنفيالتفسيرالاستمدادبالقرآنعلىفهمهوتفسيرالآيةبالآيةوذلكبالتدرببالآثارالمنقولةعنالنبيوأهلبيته (صلىاللهعليهوعليهم) وتهيئةذوقمكتسبمنهاثمالورود ))(). فتفسير القرآن بالأثر عند الطباطبائيّ وسيلة يرتقى بها للوصول إلى فهم القرآن من القرآن نفسه؛ وهو ما لم نشهده الى الآن؛ وبقي الأمر دون الوصول إلى مرحلة إنشاء تفسير كامل يفسّر فيه القرآن بنفسه ().
على العموم فإننا سنعمد إلى محاولة تحليل ما تمّ رصده من الأفكار الدلاليّة التي أوردها السيد الخوئي بوصفها منطلقات منهجية للتفسير وفهم القرآن، لاسيما أنّه كان قد رسم لنفسه طريقا يقتفي فيه قواعد لغة القرآن، ويرفض قواعد العربية التي تخالف القرآن؛ بل يرى القرآن مؤسسا للقواعد، حاكما لها لامحكوما بها. وليس للقاعدة المستحدثة أن تكون معيارا له بل هو معيارها؛ وفي هذا الصدد يرى الخوئيّ: (( إنّالقاعدةالعربيةالمستحدثةإذاخالفتالقرآنكانهذانقضاعلىتلكالقاعدة،لانقداعلىمااستعملهالقرآن ))().
المبحثالأول: مستوياتالدلالةالقرآنية
من الأفكار التي يتداولها الدرس الدلالي المعاصر تعدُّد الدلالات بحسب مستويات النظر(اللغوي)، وقد امتلكت هذه الفكرة أبعادا جديدة في العصر الحديث ولاسيما بعد الثراء الذي برز في الدرس اللغوي المعاصر؛ وكان حضور السياق بنوعيه ( المقامي والمقالي) جزءا مهما من هذا الثراء، وطبقا لهذا جرى النظر إلى أنّ دلالة المفردة يجري تحديدها عبر السياق في ظل تضافر السمات الدلالية التي تحملها المفردة : [ الصوتية والبنائية والمعجمية والنحوية] ؛ إنّ(( التقسيم الذي يراعي مستويات اللغة، ومن ثَمَّ المقام الذي يعرف بالمعنى الدلالي هو أنجع التقسيمات؛ لأنه يتطابق مع أنظمة اللغة أولاً، وهو– أيضًا – يشتمل على الأنواع الأخرى))(). وفي هذا المجال يخلص بعض المحدثين إلى القول: (( فنحننجدأنَّالعربَقديمًا،وخاصةعلماءالأصولقدلاحظواأنَّثمَّةارتباطًابينبنيةالقولصوتًاوصيغةوتركيبًا،وبيندلالةالقول،كمالاحظواأنَّللسياقدورهالفاعلفيطريقةإنشاءالعبارةوتوجيهالمعنى. ثمَّأنهملميقفواعندهذاالحد،فقدحاولواأنيطوِّروانظريةفيالنصخدمةلأداءالمعنىودراسته. وهذايعنيأنَّهمقدتجاوزواالمفهوماللفظيللكلام،والمفهومالجملي،ليستقرَّعندهمأنَّالمتكلم،فيتعبيرهعنحاجاته،لايتكلَّمبألفاظ،ولابجملٍ،ولكنمنخلالنص،فاتسعتبهذاأمامهمدائرةالبحثالدلالي،وانتقلوامنالبحثفيمفردةأوجملةإلىالبحثفيخطابيتمفيهتحميلالمفرداتوالجملبدلالاتيقتضيهاموضوعالخطاب))().
وهذه الميزة التي ظهرت للأصوليين كانت ثمرة من ثمار النظر في النصوص الشرعية ( القرآن والأحاديث النبوية ) وقد نجد بعضا من صداها عند السيّد الخوئي في تناوله بعض الألفاظ القرآنية. فيعمد إلى عرض دلالاتها في ضوء ما تعلقت به من ألفاظ أخرى، وهو ما ظهر عند تناوله للفظة الجلالة متمثلا بما عرف بالبنية التوزيعية التي توجب كونه لا يظهر إلّا في مواضع محددة وبصحبة ألفاظ معينة، كما أنه اعتمد على موارد السياق القرآني للفظة الرحمن وتعقبها بلفظة ( الرحيم ) مما سيأتي تناوله قريبا .
أنواعالدلالةعندالسيدالخوئي:
فرق علماء الدلالة بين أنواع المعنى التي لابدّ من ملاحظتها قبل التحديد النهائي لمعاني الكلمات ويأتي في صدارة هذه المعاني المعنى الأساسي أو المركزي وهو التصوري أو المفهومي، ويعدّ هذا المعنى العامل الأول في الاتصال اللغوي، مع معان أخرى يتحملها اللفظ بفعل بعض العوامل الداخلة على عملية الاتصال، وتلك المعاني هي: المعنى الإضافي أو العرضي أو الثانوي أو التضمنيّ، وهو المعنى الزائد على المعنى الأساسي وهو متغير بتغير الثقافة أو الزمن أو الخبرة. والمعنى الأسلوبي، وهو المعنى الذي يصحب المعنى الأول طبقا للظروف الاجتماعية المرافقة وطبيعة العلاقة بين المتكلم والسامع ونوعية الأسلوب اللغوي المؤدى. والمعنى النفسي ( وهو ذو طابع فردي) و المعنى الإيحائيّ وهو ما قد يظهر مع ألفاظ لها القدرة على الإيحاء.( )
ونجد أن المعنى الأول هو الأساس الذي ظهر فيما تناوله السيد الخوئي الذي قدّم مسارات عدة لتحديد هذا المعنى ، فقد نصّ على أن لفظ الجلالة هو اسم علم للذات المقدسة، وليس اسم جنس كما توهم بعضهم، فردّ الخوئي بقوله: (( ومـنتوهمأنهاسمجنسفقدأخطأ،ودليلناعلىذلكأمور:
الأول: التبادر،فإنلفظالجلالةينصرفبلاقرينةإلىالذاتالمقدسة،ولايشكفيذلكأحد،وبأصالةعدمالنقليثبتأنهكذلكفياللغة،وقدحققتحجيتهافيعلمالأصول))( ). فالتبادر يتعلق بأنّ هذا المعنى هو الذي يسبق إلى الإدراك، والتبادر هو الإسراع، جاء في معجم ألفاظ الفقه الجعفري قوله:(( المبادرة : الابتداء : الإسراعأوالسبقإلىالشيء ))()ما يعني أن السيد الخوئي أراد بها تلك الدلالة التي تسرع الى ذهن الإنسان حالما يسمع اللفظ.
الثاني: إنّلفظالجلالة- بمالهمنالمعنى- لايستعملوصفا،فلايقال: العالمالله،الخالقالله،علىأنيرادبذلكتوصيفالعالموالخالقبصفةهيكونهاللهوهذهآيةكونلفظالجلالةجامدا،وإذاكانجامداكانعلمالامحالة،فإنالذاهبإلىأنهاسمجنسفسرهبالمعنىالاشتقاقي))( ). وهي الدلالة التي تظهر عند بعض اللغويين المعاصرين تحت ما يصطلح عليه بالبنية التوزيعية، التي ترتكز على طبيعة الوظائف النحوية التي تشغلها في الجملة، فلما لم تصلح هذه اللفظة أن تقع موقع الصفات، ما يعني كونها غير مشتقة، فهي تسلك مسلك الجامد فالأحرى أن تكون منها. وكان الزمخشري قد نصّ على مثل ذلك بقوله: ((فإنقلت: أاسمهوأمصفة؟قلت : بلاسمغيرصفة،ألاتراكتصفهولاتصفبه،لاتقول : شيءإله،كمالاتقول: شيءرجل))( ) وهذا ما جعلها تظهر في بنية توزيعية() لا تستعمل فيها الصفات، وذلك في المسار الثالث لكون لفظة الجلالة علم على الذات الإلهية وهو قوله :
فلولا كونها علم لما صحّ إطلاق كلمة التوحيد على ( لا إله إلاّ الله ) إذ لا يمكن أن يقوم أيٌّ من أسماء الله تعالى مقام هذه اللفظة لتلبُّس تلك الأسماء بلمح الصفة ، وكونها منقولة إلى الاسمية لا مرتجلة فيها كما هو الحال مع لفظة ( الله).
فالدلالة الوضعية:(( عند أهل العربية والأصول : كوناللفظبحيثإذاأطلقفهمالمعنىمنه،للعلمبالوضع،وعندالمنطقيينكونهبحيثكلماأطلقفهمالمعنىللعلمبالوضع))() ، وألمح الكفوي إلى عمل الواضع في الربط بين اللفظ ومعناه بقوله: ((جعلاللفظدليلاعلىالمعنى،وهومنصفاتالواضع))( ). وقد عبر بعض المحدثين عن هذه الدلالة بقوله: ((هيالدلالةالاتفاقيةالمتعارفعليهابمعنى " جعلشيءبإزاءشيءآخربحيثإذافهمالأولفهمالثاني))().
فلما كان الاتفاق قائما على كون أسماء الله تعالى في حقيقة أمرها صفات له تعالى ( فهي مشتقة، وليست بأعلام على ذاته أصالة ويمكن أن يقال عنها أنها أعلام عليه بما تدل عليه من صفاته لا من ذاته) لزم أن يكون الواضع قد خصّه تعالى بما يدل على ذاته تعالى، ولما لم يكن غير هذه اللفظة تعين كونها اسما له تعالى (( وبماأنالذاتالمقدسةمستجمعةلجميعصفاتالكمال،ولميلحظفيها- فيمرحلةالوضع- جهةمنكمالاتهادونجهةصحأنيقال: لفظالجلالةموضوعللذاتالمستجمعةلجميعصفاتالكمال ))().
المبـحثالثـاني: الدالوالمـدلول
من المسائل الدلالية التي أثارت العلماء هي بيان وجه العلاقة بين اللفظ الدال ومعناه المدلول؛ وهي مسألة تمّ عرضها في ضوء فكرة التوقيف في أصل نشأة اللغة أو اصطلاحيتها وقد تنازعت هاتان الفكرتان علماء العربية وعلماء الأصول والمفسرين والمناطقة ، قدماء ومحدثين. ويظهر أن السيّد الخوئي في درسه الأصولي يتبنّى النظرية التوقيفية للغة() ولكنه لا يرى أنّ سماع اللفظ علة لانتقال الذهن الى معناه معوِّلا على أنّ علة مناسب اللفظ لمعناه مناسبة ذاتية، لا يعلمها إلا واضعها تعالى(). فهي مجهولة لدى متكلمي اللغة، ومن جانب آخر ربط ذلك بفكرة الإلهام التي لا تبتعد كثيرا عن التوقيف أو الوحي إلا أنها ناظرة الى المحصلة النهائية لدى متكلمي اللغات واختلاف لغاتهم، بقوله: " يلهم عباده –على اختلافهم – كل طائفة بلفظ مخصوص عند إرادة معنى خاصّ" ؛ من غير الإيغال بوجود المناسبة ذاتية بين اللفظ ومدلوله يعلمها الله تعالى ( واضع اللغة ) ويجهلها متكلموها مما لا سبيل للبرهان عليه ، بل علق على هذا بعض المعاصرين بقوله إنّه تخرّص على الغيب . ومنه يفهم قوله في الإلهام ( )
الدالمشيرإلىمدلوله:
يقيم السيّد الخوئي نظرته للعلاقة بين اللفظ ومعناه على قدرة اللفظ ( وهو الدال ) على إحالته أو إشارته إلى معناه ( مدلوله ) ولو على نحو قول الكلية، وقد ردّ مدّعى من يرى أن الوضع يقتضي الإحاطة بالمسمى؛ وأن الدال محيط بتفاصيل مدلوله ليبني عليه عدم صحة إطلاق لفظة الله عليه تعالى؛ فقد جاء في سياق تفسيره لآية البسملة ودلالة لفظة الجلالة على ذاته تعالى المستجمعة لصفاته؛ من غير شرط إحاطة هذا اللفظ بصفات مدلوله قوله: (( وضعاللفظبإزاءالمعنىيتوقفعلىتصورهفيالجملة،ولوبالإشارةإليه،وهذاأمرممكنفيالواجبوغيره،والمستحيلهوتصورالواجببكنههوحقيقته،وهذالايعتبرفيالوضعولافيالاستعمال،ولواعتبرذلكلامتنعالوضعوالاستعمالفيالموجوداتالممكنةالتيلاتمكنالإحاطةبكنهها: كالروحوالملكوالجن،وممالايرتابفيهأحدأنهيصحاستعمالاسمالإشارةأوالضميرويقصدبهالذاتالمقدسة،فكذلكيمكنقصدهامناللفظالموضوعلها))() .
إنّ فكرة الإشارة التي يراها السيد الخوئي تمثّل الحدّ الأدنى من وظيفة اللفظ الاقترانية مع معناه، وهي تنسجم مع فكرة الوضع البشري للغة أكثر من انسجامها مع القول بان الله تعالى هو واضع اللغة، ولا تبتعد هذه الفكرة عن القول بالعلاقة الذهنية التصورية التي تبناها كثير من علماء العرب: مناطقة وأصوليين وعلماء العربية، ومال إليها الدرس اللغوي المعاصر باستعماله الاستدعاء للدلالة على المعنى ، والاستدعاء هو العلاقة المتبادلة بين اللفظ ومدلوله، تلك العلاقة الذهنية التي تمكن أحدهما من استدعاء الآخر ().
وكان السيّد الخوئيّ قد ناقش بعض ما في هذه المسألة من جدل، بقوله : (( إنقلت: إنَّوضعلفظلمعنىيتوقفعلىتصوركلمنهما،وذاتاللهسبحانهيستحيلتصورها،لاستحالةإحاطةالممكنبالواجب،فيمتنعوضعلفظلها،ولوقلنابأنالواضعهوالله - وأنهلايستحيلعليهأنيضعاسمالذاتهلأنّهمحيطبها - لماكانتلهذاالوضعفائدةلاستحالةأنيستعملهالمخلوقفيمعناهفإنالاستعمالأيضايتوقفعلىتصورالمعنىكالوضع ))().
فالعقبة واضحة في عدم قدرة الإنسان على ربط الألفاظ بحقيقة ما تدلّ عليه والإحاطة به، وليس الأمر متعلق بقدرة الله على ذلك في الوضع الأول للغة ، بل الأمر بمحدودية الإنسان وعجزه عن تصوّر حقيقة الله تعالى.
فمع ميله إلى استعمال لفظة الوضع يقرر السيّد الخوئيّ أن هذا الوضع قائم على قدرة اللفظ (الدال) للإحالة على مدلوله ولو على نحو الإجمال من دون الالتفات إلى تفاصيل ذلك المدلول، المتمثّلة بالإشارة إلى مدلوله. ولو لم يكن الأمر على هذا المنحى لتعسّر وضع المسميات لكثير من الموجودات، بله الخالق تعالى. وعلى هذا يقول: ((... وممالايرتابفيهأحدأنهيصحاستعمالاسمالإشارةأوالضميرويقصدبهالذاتالمقدسة،فكذلكيمكنقصدهامناللفظالموضوعلها،وبماأنالذاتالمقدسةمستجمعةلجميعصفاتالكمال،ولميلحظفيها - فيمرحلةالوضع - جهةمنكمالاتهادونجهةصحأنيقال: لفظالجلالةموضوعللذاتالمستجمعةلجميعصفاتالكمال))() .
ويلحظ السيد الخوئيّ بعض ما قد يرد من اعتراض على القول بعلمية لفظ الجلالة عليه تعالى بأنه: (( لوكانتعلماشخصيالميستقممعنىقولهعزاسمه: ﴿وَهُوَاللَّهُفِيالسَّمَاوَاتِوَفِيالْأَرْضِ﴾ (الأنعام:3). وذلكلأنّهالوكانتعلمالكانتالآيةقدأثبتتلهالمكانوهومحال،فلامناصمنأنيكونمعناهالمعبود،فيكونمعنىالآية: وهوالمعبودفيالسماواتوالأرضين.))() فأجاب بقوله: (( قلت: المرادبالآيةالمباركةأنهتعالىلايخلومنهمكان،وأنّهمحيطبمافيالسماواتومافيالأرض،ولاتخفىعليهمنهاخافية،ويشهدلهذاقولهتعالىفيآخرالآيةالكريمة:﴿يَعْلَمُسِرَّكُمْوَجَهْرَكُمْوَيَعْلَمُمَاتَكْسِبُونَ﴾ (الأنعام:3))().
بمعنى أنّه يلتزم عَلَميّة هذا اللفظ، ويرى أنّ الآية بصدد بيان إحاطته تعالى بكل شيء اعتمادا على ما ورد في ذيل الآية المذكورة. وستتضّح أكثر العلاقة بين طرفي الدلالة فيما يأتي.
الرحمنالرحيم:
تناول المفسرون هاتين اللفظتين بإسهاب وقدموا الآراء التي تجعل لكل من اللفظتين ما يميزها عن قرينتها. لاسيما أنهما واردتان في آية البسملة التي تُفتتح بها السور القرآنية، وهي مفتتح التفسير، ومنها تظهر توجهات المفسر والطريقة التي يعتمدها في فهمه لكلام الله تعالى في القرآن. فكان أول ملامح الدلالة القرآنية تتجلى في الصيغة الصرفية للفظتين وهما فعلان وفعيل، (( وقالغيرواحدمنالمفسرينوبعضاللغويين: إنصيغةالرحمنمبالغةفيالرحمة،وهوكذلكفيخصوصهذهالكلمة،سواءأكانتهيئةفعلانمستعملةفيالمبالغةأملمتكن،فانكلمة "الرحمن" فيجميعموارداستعمالهامحذوفةالمتعلق،فيستفادمنهاالعموموأنرحمتهوسعتكلشيء. وممّايدلّناعلىذلكأنهلايقال: إناللهبالناسأوبالمؤمنينلرحمن،كمايقال: إنّاللهبالناسأوبالمؤمنينلرحيم. وكلمة " الرحمن " بمنزلةاللقبمناللهسبحانه،فلاتطلقعلىغيرهتعالى))() . هذا من جانب ومن جانب آخر: فإنّ دلالة فعلان تدل على الصفات المتجددة من نحو ما جاء في: عطشان وجوعان وغضبان وغيرها إذ العطش والجوع والغضب ليس من الصفات الملازمة بل هي تزول وتتحول؛ يقول د.فاضل السامرائي: (( ودلالةهذاالبناءعلىالحدوثبارزةفيلغتناالدارجةتقول (هوضعفان ) إذاأردتالحدوث،فإنأردتالثبوت( هوضعيف) ...))().
أما لفظة الرحيم فدلالتها على ثبوت الصفة للموصوف، وعّبر السيد الخوئي عن ذلك بقوله:(( صفةمشبهة،أوصيغةمبالغة. ومنخصائصهذهالصيغةأنهاتستعملغالبافيالغرائزواللوازمغيرالمنفكةعنالذات: كالعليموالقديروالشريف،والوضيعوالسخيوالبخيلوالعليوالدنيّ ))().
وقد عرض السيد الخوئيّ لهاتين اللفظتين في مطلع تفسيره لسورة الحـمد، فقـال: ((وصفاللهتعالىنفسهبالرحمةفيابتداءكلامهدونسائرصفاتهالكمالية،لانالقرآنإنمانزلرحمةمناللهلعباده. ومنالمناسبأنيبتدأبهذهالصفةالتياقتضتإرسالالرسولوإنزالالكتاب))()؛ وكان في مجيء الرحيم بعد الرحمن لمحة دقيقة تستوقف المتدبّر لوجوه نسج القرآن ونظم ألفاظه؛ قال السيد الخوئي:(( وبذلكتظهرنكتةتأخيركلمة "الرحيم" عنكلمة " الرحمن " فإنهيئة " الرحمن " تدلعلىعمومالرحمةوسعتهاولادلالةلهاعلىأنهالازمةللذات،فأتتكلمة "الرحيم" بعدهاللدلالةعلىهذاالمعنى. وقداقتضتبلاغةالقرآنأنتشيرإلىكلاالهدفينفيهذهالآيةالمباركة،فاللهرحمنقدوسعترحمتهكلشئوهورحيملاتنفكعنهالرحمة. وقدخفيالأمرعلىجملةمنالمفسرين،فتخيلواأنكلمة "الرحمن" أوسعمعنىمنكلمة "الرحيم" بتوهمأنزيادةالمبانيتدلعلىزيادةالمعاني. وهذاالتعليلينبغيأنيعدمنالمضحكات،فإندلالةالألفاظتتبعكيفيةوضعها،ولاصلةلهابكثرةالحروفوقلتها. وربلفظقليلالحروفكثيرالمعنى،وبخلافهلفظآخر،فكلمةحذرتدلعلىالمبالغةدونكلمةحاذر،وإنكثيرامايكونالفعلالمجردوالمزيدفيهبمعنىواحد،كضروأضر. هذاإذافرضناأنيكوناستعمالكلمة "الرحمن" استعمالااشتقاقياوأمابناءعلىكونهامنأسماءاللهتعالىوبمنزلةاللقبلهنقلاعنمعناهااللغوي- وقدتقدمإثباتذلك - فإنفيتعقيبهابكلمة "الرحيم" زيادةعلىماذكرإشارةإلىسببالنقل،وهواتصافهتعالىبالرحمةالواسعة.))() .
وتبدو نظرة السيد الخوئي الدلالية قد قررت بعض خطوطها المهمة في تحديد الربط بين الدال والمدلول، فالارتكاز في هذا الربط يعود إلى الوضع وهو اتفاق الجماعة اللغوية على ربط اللفظ الدال بمدلوله، وهي مسالة منفصلة عن كثرة حروف الكلمة أو قلتها وإن كان ذلك ضمن مجموعة اشتقاقية واحدة، وتبدو فكرة اللغويين في إرجاع سعة الدلالة من ضيقها إلى زيادة تحصل في مبنى الدال تتبعها زيادة في المعنى؛ تبدو هذه الفكرة موضع سخرية شديدة من السيّد الخوئي لتعلق الأمر في حقيقته باتفاق الجماعة اللغوية؛ ولا علاقة لكثرة حروف البناء بدلالته على مدلوله ، لأن حقيقة الأمر متوقفة على مرحلة سابقة هي الوضع التي يرجعها السيّد الخوئي إلى الله تعالى الواضع الأول كما تقدّم.
ولكننا لو تصورنا أن الوضع متعدد المراحل كأن يكون الله تعالى هو الواضع الأول ثم يطرأ وضع استعمالي لمتكلمي اللغة، يمكن أن نلحظ فيه صدق ما ذهب إليه الكثير من اللغويين.
ملكومالك:
يبدوأناعتبارالمتكلمفيالكلامالإلهيوهواللهتعالىحاضرفيفهمالسيدالخوئيللدلالةالقرآنية،وهوسياقمقامييؤديإلىإلغاءبعضالفوارقالدلاليةبينالألفاظ،وقدظهرذلكجلياًفيتناولهللقراءتينالواردتينفيقولهتعالى : ﴿مالكيومالدين﴾فقدوردفيها : مالكوملك()، وصححهما السيد الخوئي وممّا تناوله فيهما أن عرض لنظرة النحويين المتعلّق بدلالتيهما فاسم الفاعل يدل على الثبوت إذا كان في ما مرّ من الزمان أو أريد به الدوام، ويدل على التحول إذا كان الزمن للحال أو للاستقبال، وعليه فالإضافة في المضي تكون معنوية ومن ثم فهي تفيد التعريف أو التخصيص أما الثاني فالإضافة لفظية لا تفيد تعريفا أو تخصيصا. يقول السيد الخوئي: (( والمقاممنقبيلالثاني،فإنمالكيتهتعالىليومالدينصفةثابتةلهلاتختصبزماندونزمان،فيصحكونالجملةصفةللمعرفة. والتحقيقأنالإضافةمطلقالاتفيدتعريفا،وإنماتفيدالتخصيص؛والتضييقوالتعريفإنمايستفادمنعهدخارجي. ودليلذلك: أنّهلافرقبالضرورةبينقولناغلاملزيدوقولناغلامزيدفكماأنالقولالأوللايفيدإلاالتخصيصكذلكالقولالثاني،والتخصيصيتحققفيمواردالإضافةاللفظيةكمايتحققفيمواردالإضافةالمعنوية ))().
فالسيد الخوئي ينظر إلى المسألة من وجهة تحققها مع الله تعالى المالك المطلق التي لا تختصّ مالكيته بزمان دون آخر ومن ثمّ فانّه لا يتجه إلى الوصف وما تعاهد عليه العرب من كلامهم بل يتوجه إلى من تعلّق به هذا الوصف، واتّسم به فمالكية الله تعالى ليوم الدين لا تحدّ بزمان ويظهر من ذلك أن السيد الخوئي قد أهمل أن حدوث هذه المالكية ووقوعها لا يتحقق إلا بتحقق ذلك اليوم، وهو لم يحدث بعد كما هو واضح .
وبذا فان قيمة الدال لا تحدد بما تملك من القدرة على الإحالة إلى مدلولها ، بل تتجاوز ذلك إلى متعلقها وقدرته المطلقة التي تغيب فيها خصوصية البناء لتتشارك في عموم الوصف المتحقق مع الله حصرا لمالكيته المطلقة غير المحدودة بزمان أو مكان.
المبحثالثالث: الدلالةوالسياقالقرآني
لقد شغل المعاصرون أنفسهم بالسياق على نحو أضحى محور الدراسات الدلالية بكل مستوياتها، وهم في الأغلب يسندون للسياق الأثر الحاسم في إعطاء اللفظة معناه الدقيق.
والسياقسياقالمقال(وهوالسياقاللفظيّأواللغوي):الذي يشمل الكلمات والجمل السابقة واللاحقة للكلمة، والنص الذي ترد فيه؛ وسياقالمقام (أوالموقف): وهو المتمثّل بـ((عناصر غير لغوية ذات دخل كبير في تحديد المعنى ، بل هي جزء أو أجزاء من معنى الكلام : وذلك كشخصية المتكلم وشخصية المخاطب ، وما بينهما من علاقات وما يحيط بالكلام من ملابسات وظروف ذات صلة به كالجو مثلا والحالة السياسية..الخ ))() ، فهو البيئة التي تنتج فيها اللغة. والسياق اللغوي هو الأكثر أهمية في توجهات الدرس اللغويّ لإمكان تحديد معالمه أو قرائنه بدقة، بوصفها جزءا من الكلام، في حين أنّ المقامي سياق مفترض في أغلب الأحيان وهو سياق يعتمد على ما يصاحب عملية التخاطب، من تفاصيل خارجية، مع إمكانية التضليل في تلك التفاصيل ما يؤديّ إلى انحراف الفهم نحو جهة أخرى غير مرادة. ولقد أضحى السياق اللغوي هو المحدِّد للدلالة الدقيقة للألفاظ فكانت اللفظة وليدة متطلبات السياق، وتتأتى القيمة الدلالية لكل لفظة من الألفاظ بخضوعها لمختلف السياقات؛ يقول( فندريس) في أن الذي يعين قيمة الكلمة في الحالات كلها:(( إنماهوالسياق،إذإنّالكلمةتوجدفيكلمرةتستعملفيهافيجويحددمعناهاتحديدامؤقتا،فالسياقهوالذييفرضقيمةواحدةبعينهاعلىالكلمةبالرغممنالمعانيالمتنوعةالتيفيوسعهاأنّتدلعليها))().
وتتساوق هذه النظرة مع وجهات تمتلك حضورا تراثيا مهما لاسيما في الدراسات التي اهتمت بالوقوف على أسرار إعجاز القرآن، فـالألفاظ على ما يقول الجرجاني(( لاتتفاضَلمنحيثُهيألفاظمجرّدة،ولامنحيثهيكلمٌمفردة،وإنّالفضيلةوخلافهافيملائمةمعنىاللفظةلمعنىالتيتليهاوماأشبهذلكممّالاتعلّقلهبصريحاللفظ،وممّايشهدلذلكأنّكترىالكلمةتروقكوتؤنسكفيمَوضع،ثمّتراهابعينهاتثقُـلعليكوتوحِشُكفيمَوضعآخر …))(). وقد شمل هذا القول الدراسات القرآنية الدلالية.
ولنا ههنا وقفة لابد من عرضها تكمن في القول بأسبقية اللفظة في توليد سياقها الذي يناسبها لا العكس، بمعنى أنّ السياق وليد للألفاظ لا العكس، ذلك أن الكلام بوصفه وسيلة لنقل الأفكار والتواصل مع الآخرين تبنى في الجملة على بؤر لفظية تمثل الفائدة التي من أجلها عُقِد الخطاب. وعلى هذا فان تلك اللفظة التي تمثل الفائدة عبر تعلقها بلفظة أو أكثر تعمل على أن تمارس سلطتها على تلك الألفاظ؛ فتسمها بما يتوافق مع ملامحها الدلالية.
على العموم فإننا سنحاول رصد أطراف البحث الدلالي التي تنماز في أثناء التفسير لفهم كلام الله تعالى وتحديد مراد آياته ومقاصدها.
التفسيروالسياق:
لمّا كان البحث عن الدلالة هو الهم الذي شُغِل به المفسرون، لذا نجد أن الإطالة في التفسير وبيان المقاصد الإلهية المحتملة للآية والسورة وللفظة أو التركيب كان موضع إثراء للبحث الدلالي في كتب التفسير بل لقد (( قدّم علم التفسير ...أمثلةً رائعة للغويّات النَّص التّطبيقية في تحليل النّصوص ، وربطِها بوقائع حياة المتعاملين بها ))(). فالبحث في الدلالة عماد التفسير، ووظيفة المفسّر الكشف عن الدلالة؛ وقد بيّن السيد الخوئي تلك الوظيفة فجعل همّه الأول هي البحث عن المعنى القرآني بوسائل منهجية تتمثل بالخضوع لتوجهات النص القرآني وهي ناحية مهمة لمسايرة النص في محاوره التي رصدها، وفي ذلك يقول السيد الخوئيّ في مقدمة كتابه:
((علىالمفسر: أنيجريمعالآيةحيثتجري،ويكشفمعناهاحيثتشير،ويوضحدلالتهاحيثتدل))()، وهي ناحية منهجية مهمة لفهم النص، وحياد المفسر لكلام الله تعالى؛ ويسهل الانقياد للنص فعلى المفسّر أن لا يقحم النص في محاور ليس النص بصددها، الأمر الذي يجعله قريبا من مراد النص. وهو جانب أول لمفسر النص، وعليه أن يرتقي إلى جانب آخر يتساوق مع معارف القرآن المتعددة ؛ لذا فإن السيد الخوئي يواصل كلامه السابق بقوله :
فالسيد الخوئي يرى أنّ الخضوع لتوجهات النص وتعدد محاور فهمه على حسب مقتضيات الآيات القرآنية يجب أن يكون هم المفسّر ، بل إنّ التفسير يمثل دائرة معارف قرآنية بما يرصد من تخصصات متنوعة توجهت لها الآيات، وعلى هذا الحال فالتفسير لا يقتصر على بيان المعاني القرآنية، بل ينبغي أن يتكفل برصد جوانب العلوم الأخرى التي عقدت من خلالها سنن القرآن وأنظمته الأخلاقية والنفسية والتربوية والسياسية والعسكرية والغذائية والإدارية وغيرها من جوانب الحياة التي عالجتها الآيات القرآنية؛ ويوضح جمع كل هذه المحاور في ظل التفسير الذي لا ينبغي أن تغيب خصوصيته منتج نصه وحضوره الدائم في فيه ، وهدايته العامّة ﴿ إِنَّهَذَاالْقُرْآَنَيَهْدِيلِلَّتِيهِيَأَقْوَمُ ﴾(الإسراء9). ثمّ ختم السيد الخوئي كلامه بقوله:
فهو يبين حدود ما ما يهتم به في التفسير مما يتعلق بالمعاني التي يعطيها النصّ، وذلك أقسط للمفسّر أن يقتصر على معاني النص، ولا يغادرها إلى ما يتجاوز حقيقة التفسير .
(( أنَّ دلالة النص تتكشَّف من خلال تحليل بنائه أولاً، ومن خلال العودة إلى سياق إنتاجه ثانيًا، وأنَّ إهدار أحد الجانبين يعوق المفسر عن اكتشاف الدلالة والمعنى))().